تحت الشجرة الضخمة على شاطئ النهر، وقف الفيل الكبير، حيث تعود أن يلتقى بمعاونيه، لكنه لم يستطع هذه المرة الوقوف على أقدامه الأربع، برك على الأرض وتدلى خرطومه إلى جواره وبدا منهكا للغاية، لدرجة أنه كان يبذل مجهودا كبيرا لكى يبقى عينيه مفتوحتين ويتابع ما يحدث حوله.. وأمامه وقف معاونوه الأربعة: الحمار والخنزير والذئب ثم الثعلب الذى بدا متوترا وبدأ الحديث قائلا: ــ أيها الإخوان إن غابتنا العظيمة تمر بظروف دقيقة وصعبة، سيدنا الفيل الكبير مازال مرهقا من آثار المرض الأخير، وقد علمت أن حيوانات الغابة كلها قادمة إلينا فى مسيرة احتجاجية بقيادة الزرافة.
هنا نهق الحمار بقوة وقال: ــ لماذا تصر هذه الزرافة على إثارة البلبلة؟
أصدر الخنزير صوتا رفيعا علامة الاعتراض بينما الرائحة النتنة التى تنبعث من جسده تفوح بقوة ثم قال: ــ أقترح أن نقتل هذه الزرافة لنستريح منها.
نظر الثعلب إلى الحمار والخنزير باحتقار وقال: ـ الحق أننى لم أر لغبائكما مثيلا.. المشكلة ليست فى الزرافة.. الحيوانات كلها فى حالة تذمر ويجب أن نتفاوض معهم لنصل إلى حلول مرضية.
زمجر الذئب وقال: ــ آسف أيها الثعلب.. نحن لن نتفاوض مع أحد.. إن سيد الغابة الفيل الكبير مازال موجودا متعه الله بالصحة وسوف يخلفه على العرش ابنه الفيل الصغير دغفل..
ابتسم الثعلب وقال: ــ دعنا نتحدث بصراحة. إن الفيل دغفل لا يصلح للحكم... إنه يلهو طوال الوقت ولا يتحمل المسئولية.. انظروا ماذا يفعل الآن؟.
تطلعوا جميعا إلى حيث يقف الفيل الصغير دغفل فوجدوه يتمرغ بسعادة على العشب، يحرك أذنيه العريضتين ويشفط الماء بخرطومه ثم يرشه على جسده والحق أنه بدا فى حالة من المرح وخلو البال لا تتفق أبدا مع اللحظات الصعبة التى تمر بها الغابة.
استطرد الثعلب قائلا: ــ كل ما أطلبه منكم أن تلزموا الصمت وتتركونى أتفاهم مع الحيوانات الغاضبة. هنا زام الذئب وقال: ــ منذ متى نعمل حسابا لهذه الحيوانات الحقيرة.؟!. إننا نقرر ما نريده وليس عليهم إلا إطاعة أوامرنا. ابتسم الثعلب وقال: ــ أيها الذئب من الحكمة أن تفهم أن الوضع فى الغابة قد تغير.. إن الحيوانات اليوم ليست كما كانت بالأمس. الوضع الآن لن تجدى معه الشدة.
ــ بل إننا نحتاج إلى الشدة اليوم أكثر من أى وقت مضى.. نحن نملك كل شىء.. إن لدينا جيشا مدربا من الكلاب الشرسة يكفى لإخضاع أى حيوان يرفع رأسه فى مواجهتنا.
هم الثعلب بالكلام ولكن فجأة.. دوت فى أنحاء الغابة أصوات الحيوانات، كانوا خليطا من كل الأنواع: أرانب ودجاج وبقر وجاموس وخراف وقطط.. حتى القرود والنسانيس انضموا إلى المسيرة.. زحفوا من كل مكان فى الغابة وفى المقدمة كانت الزرافة الرشيقة تتهادى.. ظلوا يقتربون من حيث يرقد الفيل الكبير.. فجأة.. صاح الذئب بصوت مخيف: ــ من أنتم وماذا تريدون؟!
ردت الزرافة بصوت عالٍ: ــ نحن سكان هذه الغابة.. لدينا مظالم نريد أن نرفعها للملك الفيل. ــ ليس هذا وقت المظالم.. الملك متعب ومشغول. انصرفوا. حركت الزرافة رقبتها الطويلة يمينا ويسارا وقالت: ــ لن ننصرف قبل أن نرفع المظالم. ــ هل تجرءون على هذا التحدى؟!
تدخل الثعلب قائلا: ــ حسنا أيتها الزرافة.. اهدئى قليلا.. ما هى المظالم..؟ قالت الزرافة: ــ إن هذه الغابة ملكنا جميعا لكننا محرومون من خيراتها.. أنتم تحكمون الغابة لمصلحتكم فقط ولا تعبئون ببقية الحيوانات.. خيرات الغابة الكثيرة تذهب كلها إلى الحمير والخنازير والذئاب والثعالب.. أما بقية الحيوانات فهى تعمل طوال النهار بشرف ومع ذلك لا تجد طعاما لأولادها.
هم الذئب بالحديث لكن الزرافة استطردت بحماس: ــ إن وضع الغابة قد تدهور إلى الحضيض فى كل المجالات.. أنتم تعانون التخمة ونحن نموت من الجوع.. لا يمكن أن نقبل هذا الوضع بعد اليوم. أطلقت الحيوانات الثائرة صيحات طويلة تؤيد الزرافة القائدة.. مد الذئب رأسه إلى الأمام وصاح: ــ انصرفوا.. لا أريد أن أسمع هذا الكلام.. هيا.. انصرفوا.
ــ لن ننصرف. هكذا قالت الزرافة وقد بدا واضحا أنها لن تتراجع.. عندئذ رفع الذئب رأسه وأطلق عواء طويلا فظهرت على الفور عشرات الكلاب المدربة وأخذت تزوم وهى تنظر إلى الحيوانات بتحدٍ.. كان منظر هذه الكلاب فى السابق كافيا لبث الرعب فى قلوب سكان الغابة لكنهم هذه المرة ظلوا ثابتين فى مواجهة الكلاب، مما دفع الحمار لأن يتساءل مندهشا: ــ إنهم لا يخافون من كلاب الحراسة الشرسة.. ياالله.. ماذا حدث فى غابتنا؟
قالت الزرافة: ــ أيها الذئب.. يجب أن تفهم أنت وزملاؤك أننا لم نعد نخاف منكم.. لم نعد نخشى شيئا حتى الموت.. إما أن تمنحونا حقوقنا أو سنضطر إلى قتالكم. تقدمت كلاب الحراسة المدربة وقد اتخذت تشكيلا قتاليا على هيئة نصف دائرة استعدادا للهجوم.. فتحت أفواهها وبانت أنيابها الحادة وأخذت تزوم.. كان منظرها مخيفا فعلا لكن الزرافة لم تهتز وقالت: أنتم ــ يا كلاب الحراسة ــ أمركم غريب.. أنتم تقاتلوننا من أجل حماية الفيل وأعوانه.. بالرغم من أنكم تنتمون إلينا وليس إليهم، أنتم مثلنا تعانون الظلم والفقر.. إن حقوقنا المضيعة واحدة فلماذا تؤازرون الفيل الظالم ضدنا؟!. إنه يستعملكم وما إن يقضى حاجته منكم سيلقى بكم فى عرض الطريق.
بان التردد على بعض الكلاب.. بادرت الزرافة بالهجوم وهجمت خلفها الحيوانات جميعا.. اشتبكت معهم الكلاب بضراوة.. سالت دماء غزيرة وسقط قتلى من الجانبين.. الغريب أن عددا كبيرا من الكلاب تأثروا من حديث الزرافة ولم يشتركوا فى القتال، مما جعل الحيوانات الثائرة تنتصر على بقية كلاب الحراسة.. لما أدرك الثعلب أن الهزيمة محققة زاغ وهرب فلم يعد له أثر، أما الذئب فقد جثم على الأرض ثم قفز مرة واحدة منقضا على الزرافة وعضها بأسنانه القوية فى صدرها، لكنها برغم الألم الشديد والدم الذى نزف منها بغزارة، تحاملت على نفسها وركزت تفكيرها ثم صوبت بقدمها رفسة محكمة إلى رأس الذئب فسحقت جمجمته فى الحال.. أما الحمار والخنزير فظلا لغبائهما عاجزين عن التصرف حتى تكاثرت عليهما الحيوانات وقضت عليهما.. هكذا وجدت الحيوانات الثائرة نفسها وجها لوجه أمام الملك الفيل وابنه الفيل الصغير دغفل. اقتربت الزرافة وقالت: ــ أيها الفيل العجوز.. لقد انتهى اليوم حكمك.. مازلت أذكر كيف استبشرت الحيوانات خيرا فى بداية عهدك.. لكنك قربت إليك أسوأ الحيوانات وأقذرها وها أنت ترى النتيجة بنفسك.
قال الفيل العجوز بصوت متعب: ــ لقد فعلت دائما ما كنت أعتقد أنه صواب.. فإذا كنت أخطأت سامحونى. قالت الزرافة: ــ سنتعامل معك باحترام، لأنك كنت يوما ما فيلا طيبا. سنتركك تمضى بسلام مع ابنك الفيل الصغير دغفل. اذهب الآن ولا تعد أبدا إلى هذه الغابة.. يكفى ما أصابنا من جراء حكمك الفاسد الظالم.
هز الفيل العجوز رأسه ورفع خرطومه ببطء وصعوبة وبان عليه ما يشبه الامتنان. التفتت الزرافة إلى الحيوانات وصاحت: ــ أيتها الحيوانات.. لقد انتهى عهد الظلم إلى غير رجعة.
ارتفعت أصوات الحيوانات الصاخبة تعلن بحماس عن فرحتها بالحرية.. .. الديمقراطية هى الحــــــــل.....
eng_mody إدارة المنتدى
عدد الرسائل : 3631 العمر : 34 تاريخ التسجيل : 24/07/2008
قصه راااااااااااائعه لروائي متمييز.. الصراحه انا احترت احطها هنا ولا في قسم السياسه..لكن فضلت احطها هنا لاسباب منها ان محدش بيتابع قسم السياسه اساسا ولا تفرق معاه..وانها كقصه فعلا تحفه من روائي انا شخصيا بعشق رواياته المتميزه..
اتمني انها تحرك فيكو اي حاجه من اي نوا.. ادبيااو ثقافيا او سياسيا
يسرا مشرفة قسم الموضوعات العامة+القسم الديني
عدد الرسائل : 4501 العمر : 35 تاريخ التسجيل : 26/06/2008
والله جامده دي حاجه قليله عليها دي تحفه دي روعه دي كل حاجه حلوه ... كالعاده يعني من علاء الاسواني.. انا والله من امبارح عمال اقرأ فيها القصه دي .. دا انا جبت بابا كده ومحمود اخويا وقعدتهم وقعدت اقرأهالهم امثلهالهم ... دا غيرعمال اقرأها كل شويه ..
السيناريو بتاعها رااااااائع .. انا بجد اتمناه يحدث شخصيا..
الي الفيل دغفل...العب بعيد يا شاطر
يسرا مشرفة قسم الموضوعات العامة+القسم الديني
عدد الرسائل : 4501 العمر : 35 تاريخ التسجيل : 26/06/2008
انا عن نفسي بقرأله المقال الاسبوعي بتاعه من يوم ما بدا في الشروق...والله رااااائعه.. سياسي وكاتب متميز...بينتمي للمدرسه اللي بحبها مدرسه بلال فضل وعمر طاهر بالرغم من انه مبيكتب كتابات ساخره..بس بيشدني اقرألو.. اشتريتله و قرأتله ال 3 روايات بتوعه وعندي حتي لسه مخلص روايه نيران صديقه بتاعته.. والله اسلوبه سهل جميل وراااااااائع في الكتابه..
يسرا مشرفة قسم الموضوعات العامة+القسم الديني
عدد الرسائل : 4501 العمر : 35 تاريخ التسجيل : 26/06/2008
شيكاجو دي انا قريتها في وقت قياسي بالنسبالي والله..مكنتش قادر استني اعرف احداثها.. دا كاتبها بطريقه ايه ده؟؟ دي روعه والله.. ايه اللي معجبكيش فيها طيب؟؟ اسلوبه ولا مجرد احداثها؟
اقتباس :
ونهايتها رخمه جـــــــــــــــــــدا
نهايتها واقعيه جدااااااااا كمان انا عجبني فيها كده.. مبيعش الواحد في خيالات كل شحصيه انتهت نهايتها الطبيعيه.. وبعدين ماهو ادي ايحاء ان شيماء اتجوزت طارق في الاخر.. يعني خاتمه سعيده اهي
يسرا مشرفة قسم الموضوعات العامة+القسم الديني
عدد الرسائل : 4501 العمر : 35 تاريخ التسجيل : 26/06/2008
ايه اللي معجبكيش فيها طيب؟؟ اسلوبه ولا مجرد احداثها؟ معجبتنيش اسلوبها حلو لكن فيها احداث كتير مالهاش لازمه مش ده اللي كاتب عمارة يعقوبيان ؟؟
اقتباس :
نهايتها واقعيه جدااااااااا كمان انا عجبني فيها كده.. مبيعش الواحد في خيالات كل شحصيه انتهت نهايتها الطبيعيه.. وبعدين ماهو ادي ايحاء ان شيماء اتجوزت طارق في الاخر.. يعني خاتمه سعيده اهي لا طبعا ده تحس انه خلا النهايه بتاعة الاتنين دول والله نهايه قمه في ال مش عارفه الكلمه بس حسيت انه مالقاش نهايه
وبعدين مين قالك اني بحب النهايات السعيده
eng_mody إدارة المنتدى
عدد الرسائل : 3631 العمر : 34 تاريخ التسجيل : 24/07/2008
زي ايه؟؟ :-/ علاء كاتب رااااائع في الوصف والتحليل..بيعيشك في الموقف كأنك شايفاه بعينك وللي بيتأثرو اوي بالروايات زيي كده بحس ان كل المواقف جي انا اللي بعملها وبعيشها وبجد بتأثر نفسيا بالاحداث.. في ناس اجماليه فمبتحبش التفاصيل دي فممكن تكوني منهم فمحبتيش كده.. انما الاحداث بتاعه انا حاسس كمان انها مش واخده حقها..يمكن كمان كنت عايزه يزود اكتر فيها..
اقتباس :
معجبتنيش اسلوبها حلو لكن فيها احداث كتير مالهاش لازمه مش ده اللي كاتب عمارة يعقوبيان ؟؟
بالظبــــــط هو اكيد طبعا ...
اقتباس :
لا طبعا ده تحس انه خلا النهايه بتاعة الاتنين دول والله نهايه قمه في ال مش
عارفه الكلمه بس حسيت انه مالقاش نهايه علي فكره انا لاحظت ان ده اسلوبه عامه في وضع النهايات.. يعني في يعقوبيان الروايه كانت النهايات كده..علي عكس الفيلم المخرج حط وزود بعض النهايات لبعض الشخصيات.. برضه في نيران صديقه كانت نهايه الراوايه مفتوحه.. ودا شئ من التميز بيخلي القارئ هو الي يتخيل النهايه بنفسه .. يعني مثلا هل معني ان طارق راح لشيماء المستشفي انهم اتجوزو بعد كده..دا مجرد تخمين الناس حباه..فهو بيسلك الطريق ده دايما علي حسب ما لاحظت كده