[تحرير] نضالاته
كره تشي اتكال الثورة الكوبية على الاتحاد السوفيتي، واستمر في ابتكار وسائل أخرى للحصول على التمويل وتوزيعه. ولأنه الوحيد الذي درس فعلا أعمال كارل ماركس بين قادة حرب العصابات المنتصرين في كوبا، فانه كان يحتقر البيروقراطيين ومافيا الحزب الذين صعدوا على أكتاف الآخرين في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وفي كوبا أيضا.
كشف (آي إف ستون) كيف انهمك تشي جيفارا في نقاش علني، أثناء مؤتمر في مدينة بونتي ديل استي بأوروجواي مبكراً في 1961 (وهو المولود في الأرجنتين حيث درس الطب هناك) مع بعض شباب اليسار الجديد من نيويورك. أثناء تلك المناقشة، مر بهم اثنان من جهاز الحزب الشيوعي الأرجنتيني. لم يستطع جيفارا أن يمنع نفسه من الصياح بصوت عال، "هيي، لماذا أنتم هنا، أمن اجل أن تبدءوا الثورة المضادة؟"
مثّل تشي الكثيرين في الحركة الناشئة لليسار الجديد حول العالم، خاض تجربته الأولى مع بيروقراطية الحزب الشيوعي ومقت محاولاتهم لفرض بيروقراطيتهم على الحركات الثورية للسكان الأصليين.
وبالفعل فإن الثورة في كوبا، على عكس المفاهيم المعاصرة للكثيرين في الولايات المتحدة اليوم، كانت مستقلة، وفي بعض الأحيان معارضة للحزب الشيوعي الكوبي. ولقد أخذ بناء مثل هذه العلاقة -التي لم يكن من السهل صنعها- عدة سنوات فقط بعد الثورة ونجحت في أخذ سلطة الدولة وتأسيسها، دافعة إلى الاندماج بين القوى الثورية والحزب -الاندماج الذي لم يضع نهاية لمشاكل جيفارا والثورة الكوبية نفسها.
إحدى تلك المشاكل هي اعتماد كوبا المتزايد على الاتحاد السوفيتي (في بعض الأوجه يماثل الاعتماد المتزايد لبعض المنظمات الراديكالية على منح المؤسسات في صورة أموال ولوازم لولبية أخرى). قررت الحكومة أثناء احتياجها اليائس للنقد من اجل شراء لوازم شعبها الضرورية -وبعد نقاش مرير- قررت أن تضيع فرصة تنويع الزراعة في كوبا من أجل التوسع في محصولها النقدي الرئيسي، قصب السكر، الذي يتم تبادله أمام البترول السوفيتي، لتستهلك جزء من هذا البترول وتعيد بيع الباقي في السوق العالمي. وبالتدريج فقدت كوبا، بالرغم من تحذيرات تشي (والآخرين)، القدرة على إطعام شعبها نفسه -وهي المشكلة التي بلغت أبعادا مدمرة بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
وهي نفس الأزمات التي أحدقت بالاتحاد السوفيتي والدول التي كان معترفا بها كدول اشتراكية عندما سعوا وراء النموذج الصناعي للتنمية وحاولوا أن يدفعوا ثمنه بالإنتاج والتنافس في السوق العالمي. كان رد فعل تشي: لا تنتج من أجل السوق العالمي. ارفض تحليلات التكلفة/المنفعة (cost/benefit) كمعيار لما ينبغي إنتاجه. آمن تشي بأن المجتمع الجديد حقيقة، وعليه أن يجعل طموحه هو ما يحلم به شعبه من أجل المستقبل، وأن يعمل على تنفيذه فورا في كل أوان ومكان. وحتى تبلغ ذلك، على الثورات الشيوعية أن ترفض معيار "الكفاءة" وعليها أن ترعى المحاولات المجتمعية المحلية حتى تخلق مجتمعا أكثر إنسانية بدلاً من ذلك.
[تحرير] أممية تشي وعلاقته بالماركسية
اصطدم احتقار تشي لكهنوت الماركسية الرسمي (بينما كان يعتبر نفسه ماركسياً)، واحتقاره للبيروقراطيين من كل لون، اصطدم بالنزعة الاقتصادية الميكانيكية المخدرة التي صارت عليها الماركسية. "الثورة" عند تشي واليسار الجديد الذي يستلهم جيفارا، تقهقرت إلى خلفية الأجندة التاريخية.
أممية تشي وارتباطه المميز بالفقراء والمنبوذين في كل مكان، ورفضه الاعتراف بقداسة الحدود القومية في الحرب ضد إمبريالية الولايات المتحدة، ألهمت الحركات الراديكالية الجديدة في العالم كله. نادى تشي الراديكاليين لنحول أنفسنا إلى شيء جديد، أن نكون اشتراكيين قبل الثورة، هذا إذا ما كان مقدراً لنا أن يكون لدينا أمل في أن نحقق فعلا الحياة التي نستحق أن نعيشها. نداؤه "بأن نبدأ العيش بطريقة لها معنى الآن" تردد صداه عبر الجيل بأكمله، فاتحا ذراعيه ليصل بدرجة كبيرة من ناحية إلى وجودية سارتر، ومن ناحية أخرى ممتدا نحو ماركس. من خلال الحركة، ومن خلال انتزاع مباشرة الثورة عن طريق الاشتباك مع الظلم بكل أشكاله، في كل لحظة، ومن خلال وضع مثاليات المرء فورا في الممارسة العملية، صاغ تشي من التيارات الفلسفية المعاصرة الرئيسية موجة مد من التمرد.
حب تشي للناس أخذه أولا إلى الكونغو ثم إلى بوليفيا، حيث نظم فرقة من رجال حرب العصابات لتكون، كما كان يتعشم، عاملا مساعدا على الإلهام بالثورة، ولم ينس ان يمر بمصر والجزائر في طريقه ليلتقى الزعيم المصري جمال عبد الناصر والرئيس الجزائري أحمد بن بلة اللذان كانا رموزاً للثورة العربية آنذاك.
[تحرير] قصيدة في جيفارا
من أشهر القضائد العربية التي قيلت في رثاء جيفارا، قصيدة الشاعر أحمد فؤاد نجم
''جيفارا مات
جيفارا مات
آخر خبر في الراديوهات
وفى الكنايس
والجوامع
وفي الحواري
والشوارع
وع القهاوي وع البارات
جيفارا مات
واتمد حبل الدردشة
والتعليقات
مات المناضل المثال
يا ميت خسارة على الرجال
مات الجدع فوق مدفعه جوة الغابات
جسد نضاله بمصرعه
ومن سكات
لا طبالين يفرقعوا
ولا إعلانات
ما رأيكم دام عزكم
يا أنتيكات
يا غرقانين في المأكولات
والملبوسات
يا دافيانين
ومولعين الدفايات
يا محفلطين يا ملمعين
يا جيمسات ( جمع لاسم جيمس بوند بالدارجة المصرية )
يا بتوع نضال آخر زمن
في العوامات
ما رأيكم دام عزكم
جيفارا مات
لا طنطنة
ولا شنشنة
ولا إعلامات واستعلامات
عيني عليه ساعة القضا
من غير رفاقه تودعه
يطلع أنينه للفضا
يزعق
ولا مين يسمعه
يمكن صرخ من الألم
من لسعة النار ف الحشا
يمكن ضحك
أو ابتسم
أو ارتعش
أو انتشى
يمكن لفظ آخر نفس
كلمة وداع
لجل الجياع
يمكن وصية
للي حاضنين القضية'
في الصراع
صور كتير
ملو الخيال
وألف مليون احتمال
''لكن أكيد أكيد أكيد
ولا جدال
جيفارا مات
موتة رجال
يا شغالين ومحرومين
يا مسلسلين رجلين وراس
خلاص خلاص
مالكوش خلاص
غير بالبنادق والرصاص
دا منطق العصر السعيد
عصر الزنوج والأمريكان
الكلمة للنار والحديد
والعدل أخرس أو جبان
صرخة جيفارا يا عبيد
في أى موطن أو مكان
مافيش بديل
مافيش مناص
يا تجهزوا جيش الخلاص
يا تقولوا على العالم خلاص''
القاهرة 1968 القصيدة للشاعر أحمد فؤاد نجم